في تمام الساعة 25:20 من مساء أمس الاثنين بتوقيت نيويورك ، هوى عملاقان على أرض ملعب آرثر أش. فقد سقطت 198 سنتيمترا هي طول قامة الأرجنتيني خوان مارتين دل بوترو على الأرضية الزرقاء للملعب وهو يبكي من فرط سعادته بالمجد الذي بلغه ، وعلى بعد أمتار منه كان السويسري روجيه فيدرر المصنف الأول عالميا ، وربما تاريخيا ، يعاني من ضربة قاسية تتمثل في إسقاطه من على عرش بطولة أمريكا المفتوحة للتنس بعد أن اعتلاه لخمسة أعوام متتالية.
وبدت جملة "لطالما كان حلمي الفوز بهذه البطولة ، إنها المفضلة بالنسبة لي" كتعويذة يتلوها اللاعب الأرجنتيني الشاب بشكل لا ينقطع على مدار الأسبوعين الأخيرين ، وأمس حول حلمه إلى حقيقة بفوز صادم بعد أن عوض تأخره في نتيجة المجموعات مرتين وتفوق في مجموعة خامسة فاصلة أمام الرجل المتوج 15 مرة في بطولات الجراند سلام الأربع الكبرى ، والذي دخل المباراة وهو صاحب 40 انتصارا متتاليا على ملاعب فلاشينج ميدوز.
وأكمل دل بوترو ، قبل تسعة أيام من إتمام عامه الحادي والعشرين ، قفزة عملاقة بالفوز على السويسري الحاصل على خمسة ألقاب متتالية في نيويورك ، والذي لم يسبق له الفوز عليه في ست مباريات جمعتهما وجها لوجه. كما أنه حقق الفوز في حضور جييرمو فيلاس الأرجنتيني الوحيد وآخر رجل لاتيني يفوز ببطولة أمريكا المفتوحة.
بدأ خوان مارتين دل بوترو لعب التنس في السابعة من عمره تحت إشراف رجل في تانديل مسقط رأسه يدعى مارسيلو جوميز ، لا يكاد يتوقف عن اكتشاف مواهب اللعبة. بعد قليل تعهده بالتدريب إدواردو إنفانتينو ، بيد أن قفزته العملاقة جاءت مع المدرب فرانكو دافين الذي قاد مواطنه جاستون جاوديو نحو لقب بطولة رولان جاروس عام 2004 .
وأدلى دافين بتنبؤات صائبة قبل يومين قال فيها "جميع بطولات الجراند سلام صعبة للغاية ، لكنني لا أعتقد أنه أقل ممن يلعبون ، إنه يتمتع بفرص تحقيق الفوز أمام الجميع ، بعد ذلك قد تحدث خلال المباريات أشياء كثيرة ، لكنني أراه في حالة جيدة. ربما قد حان الوقت".
وتولى دافين مهمة تدريب دل بوترو في آذار/مارس من عام 2008 ، عندما كان اللاعب الملقب ب"البرج" يحتل المركز 59 في التصنيف العالمي. واليوم استعاد المركز الخامس الذي سبق له احتلاله من قبل لعدة أسابيع هذا العام. وحمل معه من نيويورك جائزة مالية قدرها 850ر1 مليون دولار وسيارة من إحدى الشركات الراعية للبطولة إلى جانب احترام العالم كله.
ومع رحلته التي بدأها من الولايات المتحدة العام الماضي ، أحرز دل بوترو أربعة ألقاب متتالية في بطولات واشنطن ولوس أنجليس وكيتزبوهيل وشتوتجارت ، وبلغ على ملاعب فلاشينج ميدوز دور الثمانية. وهذا العام أضاف لقبين آخرين في أوكلاند وواشنطن مجددا ، ليحوي سجله ستة ألقاب صغيرة.
لكنه حتى لم يكن قد حصل على إحدى بطولات الأساتذة قبل أن ينتزع أول ألقابه الكبرى الذي جاء منطقيا على الأرضية التي يهواها ويلعب عليها بشكل أفضل ، الإسمنتية ، رغم أن الذهن سيتجه على الفور إلى الملاعب الحمراء بمجرد الانتباه إلى أنه أرجنتيني.
ويتنفس المنزل الذي عاش فيه دل بوترو الرياضة ، فوالده الذي يعمل بيطريا كان لاعب رجبي. أما والدته فهي معلمة ، وله شقيقة تصغره تدعى جولييتا ، كما كان له شقيقة أخرى توفيت وهي التي يهدي إليها جميع انتصاراته عندما ينظر إلى السماء ويرسم الصليب.
ويؤكد النجم الشاب ، العاشق فيما يتعلق بالكرة لنادي بوكا جونيورز ، أنه لو لم يكن لاعب تنس لأصبح مهندسا معماريا. وبعد ما حدث أمس يبدو أن الأمر به شئ من المنطق ، فمن ارتفاع يقترب من المترين تمكن اللاعب القادم من ضاحية تقع جنوب غربي بوينس آيرس ، مدينة ناطحات السحاب ، من بناء أهم انتصاراته وهدم طموح فيدرر بإطلاق صرخة اللقب للمرة السادسة في البطولة التي يتعامل معها كما لو كانت بيته.
لكن الغريب هو أن مهندس التنس يؤكد "إنني لا أفهم شيئا بعد" ، ويبدو أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لكي يعرف حدود قدراته الحقيقية التي ربما تؤهله عن جدارة ليكون العملاق المقبل في عالم التنس ، بالأداء وليس فقط بقامة تصل إلى المترين.